الأستاذ، لقب أطلقته عليه الصحافة، واستحقه عن جدارة، له أسلوبه الخاص وملامحه المميزة وحضوره الطاغي، و”استايل” متفرد عرفه به الجمهور، جعله نجمًا وقامة فنية كبيرة، هو الفنان الراحل «فؤاد المهندس».
ظهر «المهندس» بين جيلين مختلفين للكوميديا، جيل النجم الكبير إسماعيل ياسين، وجيل الزعيم عادل إمام، ولم يحاول تقليد أحد فناني الكوميديا، رغم أنه سار على خطاهم في بداية مشواره كـ «سنيد» للبطل، أو صديق البطل، كما فعل أغلب نجوم الكوميديا في بداياتهم.
عاش المهندس في وجدان الجمهور بصوت مميز، حتى ولو قدم للجمهور «كلمتين وبس»، وارتبط الجمهور كل صباح بصوته، عبر الإذاعة، كما ارتبطت طفولتنا بـ «عيد ميلاد أبو الفصاد»، الأغنية الأشهر التي قدمها لتصبح تراثًا يتوارثه الأجيال.
«الراجل ده هيجنني»…رمضان على طريقة المهندس
وارتبط «الأستاذ» في أذهاننا بشهر رمضان المبارك، من خلال أغنيته الشهيرة «الراجل ده هايجنني»، أو من خلال فوازير «عمو فؤاد»، وهو رجل كبير السن، يمتلك حيوية وعنفوان الشباب، يسحر المشاهد بعفوية وشقاوة الأطفال، ولم ينسَ دوره كأستاذ يوجه النصيحة للكبير قبل الصغير، في إطار لا يمل المشاهد عن رؤيته.
حملت أفلامه طابعًا خاصًا مختلفًا، حمل الكثير منها لمحة «الفانتازيا» والابتكار في الأفكار، والابتعاد عن النمطية التي كانت عنوان الكثير من الأعمال في ذلك الوقت.
أغاني المهندس في أعماله سواء بالمسرح أو التليفزيون، كانت لصوت يقترب من مطرب محترف، على المسرح تجد صوته قويًا واضحًا، تستطيع أن «ترى» الكلمات لا أن تسمعها فقط.
لماذا حصل فؤاد المهندس على لقب «الأستاذ»؟
«الأستاذ» لأنه كان سندًا وعونًا للوجوه الشابة، أعطى مساحة ودور بطولة للفنان الكبير عادل إمام، في المسرحية الشهيرة «أنا وهو وهي»، بعدما لمح الموهبة عليه.
«الأستاذ» لأننا نشاهد أغلب نجوم الكوميديا، ينفردون بإطلاق الضحكات والإفيهات على الجمهور، فتظهر الشخصيات بجانبهم إما باهتة أو مجرد سنيدة، إلا أن الأستاذ تجاوز القاعدة، فثقل موهبته منحه يقين أن إعطاء المساحة لممثل شاب مثل محمد أبو الحسن، لن يؤثر على كونه “الأستاذ”.
المهندس لم يستحوذ على الإفيه وترك الفرصة لجميع المواهب
في مسرحية سك على بناتك، يظل «الدكتور رأفت» –فؤاد المهندس- يقدم لدقائق إفيه، حتى ينطلق «حنفي» قائلًا: «مين عمر الشريف بقى»، ليدخل الجمهور في نوبة من الضحك.
هذا الدور الذي لعبه «أبو الحسن» يعتبر علامة فارقة في مشواره، لعله أهم الأدوار التي قدمها، وكذلك نرى في آخر مشهد للنجمة الرائعة «سناء يونس»، وهي تتحدث على المسرح في نفس المسرحية، وعلامات الإعجاب بادية على ملامح وجه المهندس فرحًا بتلميذته النجيبة.
«هالة حبيبتي» تتحدث عن الأستاذ
صرحت رانيا عاطف، بطلة مسرحية «هالة حبيبتي»، بأن مسرح فؤاد المهندس كان أكاديمية متكاملة، مؤكدة أن مسرحه كان يضم في جنباته مدربين إيقاع، موسيقى، رقص، فوكاليز، وطبيب يتابع حالتهم الصحية بشكل يومي.
وأشارت إلى أن الفنان الراحل كان مثالًا للكرم، والالتزام والطيبة والتدين، يعكف على قراءة «ورد» من القرآن الكريم قبل أي ليلة عرض، ولا تنسى «رانيا» موقفًا إنسانيًا للأستاذ، بعد أن أُصيبت أثناء العرض بحصبة وارتفاع في درجة الحرارة، وأرسل طبيبه الخاص لها، حتى اطمأن عليها.
وأكدت أنه كان يرفض نزول العمال والفنيين في فندق آخر، غير الفندق الذي يقيم به، حال سافرت أسرة العمل لعرض المسرحية خارج القاهرة، ويصر على نزول الجميع في فندق واحد، ويأكلون طعامًا واحدًا.
طارق الشناوي: الأستاذ كان يبارك نجاح تلاميذه حين يتفوقوا عليه
وقال الناقد طارق الشناوي: «لقب الأستاذ يُمنح في الحياة الفنية لشخص معطاء، لديه تلاميذ كُثر، ولقب الأستاذ أطلق على فؤاد المهندس تحديدا لأنه كان يمنح الفرص للجميع، ولم يدخل في معارك، بل على العكس يبارك نجاحهم حال تفوقهم عليه، وهو ما حدث مع عادل إمام».
وتابع: «لم يشعر بأي ضغينة تجاه تفوق تلاميذه، حتى ولو سبق اسم أحدهم اسمه على الأفيش أو التترات، وما منح المهندس لقب الاستاذ هو عطائه الذي ظل قائما حتى في السنوات الأخيرة من عمره».
نجوى فؤاد: المهندس فهمني السيناريو من الألف للياء
الفنانة نجوى فؤاد، أكدت كذلك أن المهندس هو الأستاذ بحق وعن جدارة، وأثناء تصوير فيلم المليونير المزيف، قدم شخصيتين، أحدهما لرجل عادي، والآخر قادمًا من المكسيك، وكانت المشاهد تجمع بينها وبين المكسيكي، ولم تفهم محتوى الفيلم، وحفظت مشاهدها فقط، وأثناء التصوير تعاملت مع «الديالوج» دون أن تعلم باقي المشاهد، فطلب المهندس وقف التصوير.
وتابعت: «لقيته أخدني الأوضة، وقعد يفهمني السيناريو من الألف للياء، قعد ساعة يشرحلي وهو مش مضطر يعمل كده؛ لأن أصلا مفيش حد بيعمل كده، بس ده الأستاذ، وهو كان بيقف مع الصغير قبل الكبير، عشان كدة فؤاد المهندس لسه عايش جوه قلوب الناس كلها».
هذا بالإضافة لوصفها إياه بالكريم، الذي لم تعرف الغيرة أو الحقد طريقا إلى قلبه، متسامحًا متساهلًا مع الجميع، كريمًا مع العمال، لدرجة كبيرة.
اقرأ أيضًا: