جمال القرآن وتفسير آية: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون

فكثيرا ما يستعجل الإنسان في هذه الحياة، وينسى أنّ لهذا الكون خالقا مدبّرا عليما حكيما، حنانا منانا جوادا كريما، يستعجل الإنسان ويرى في كلّ ضيق وبلاء ينزل به شرا محضا لا خير فيه، وتسوَدّ الدّنيا في وجهته، وربّما يقوده الشّيطان إلى التسخّط على قضاء الله وقدره.

ربّما يبتلي الله عبدا من عباده بالفقر، فيغفل عن حكمة الله في ذلك، ويظنّ أنّ الله حرمه ما فيه مصلحتُه وما فيه خير دنياه وأخراه، “وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن“، فيحزن ويغتمّ ويتنكّد عيشه ويظنّ السّوء بربّه الكريم، وهو لا يعلم أنّ الغنى سيفسد دينه ودنياه، ثمّ لا يزال يلحّ في طلب الدّنيا، فيفتح الله له بابا من أبواب الرّزق، ويغدق عليه، فينسى ما كان عليه من حال الفقر، وينسى شكر ربّه الكريم، بل ربّما يلهيه ماله عن الله وعن الصّلاة، ولربّما ينفق ماله في معصية الله، ولو بقي فقيرا صابرا لكان خيرا له من ذلك الغنى الذي أطغاه وألهاه. “وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُون“.

ربّما يبتلي الله عبدا من عباده فيحرمه الذرية والأولاد، فيتضجّر ويتبرّم، ويظنّ السّوء بربّه الكريم، وهو لا يعلم أنّ الله ربّما ما حرمه إلا لأنّه يعلم أنّ الذرية ستكون سببا لتعاسته في الدنيا وخسارته في الآخرة، لأنّه لن يحسن تربيتها وتأديبها.

ربّما يبتلي الله عبدا من عباده بالمرض، فيتحسّر ويتسخّط، وهو لا يعلم أنّ الله ابتلاه لأنّه علم أنّ الصحّة ستطغيه وتنسيه الموت وتلهيه، فإذا ألبسه الله ثوب العافية نسي ما كان فيه من بلاء، وسلّط نعمة الصحّة على معصية الله وعلى ظلم عباد الله. “وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار“.

ربّما يبتلي الله عبدا من عباده ويفوّت عليه منصبا من المناصب، فيحزن ويغفل عن حكمة الله في خلقه، وينسى أنّ الله ربّما صرف عنه ذلك المنصب لأنّه سيكون سببا لفساد دينه أو دنياه. ثمّ ما يلبث العبد أن يفتح الله عليه منصبا آخر وييسّر له أسباب الوصول إليه، فيدرك حينها حكمة الله في تدبيره. “وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون“.

ربّما يدعو عبد من عباد الله ربّه بالنّجاح في امتحان من الامتحانات، ويلحّ عليه في الدّعاء، فيبتليه الله بالفشل في ذلك الامتحان، فيحزن ويتلمّظ وربّما يظنّ السّوء بربّه الكريم، وهو لا يعلم أنّ الحكيم الخبير صرف عنه النّجاح لحكمة يعلمها أو لخير يخبّئه له.

ربّما يبتلي الله عبدا من عباده فيؤخّر عنه خيراً أو يفوّت عنه فرصة من الفرص، فيحزن ويأسى وهو لا يعلم أنّ الله ربّما ادّخر له بتفويت تلك الفرصة خيرا عظيما أو دفع عنه بتفويتها بلاءً عظيما.

لأجل هذا ينبغي للعبد المؤمن أن يكون راضياً باختيار الله، مسلّما لقضائه، فرُبّ منحة في محنة، ومحنة في منحة، وربّ مرغوب في مكروه، ومكروه في مرغوب.

لا يدري العبد المؤمن أين يكون الخير وأين يكون صلاح أمره؟. في الشدّة أم في الرّخاء؟ في العافية أم في البلاء؟ لا تدري المؤمنة أين يكون صلاح دنياها وأخراها؛ في الزّواج أم في العنوسة؟ مع الزّوج الفقير أم مع الزّوج الغنيّ؟ مع الذرية أم مع العقم؟ وأيّ شيء في حياة العبد المؤمن لم يعجبه ربّما يكون هو أعظم خير في حياته. وأيّ شيء في حياته أعجبه واطمأنّ له ربّما يكون سبب بلائه في الدّنيا أو في الآخرة: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون“.

اقرأ أيضاً:-

دعاء اليوم السابع من رمضان

أدعية للأمهات تدعو بها لأولادها في رمضان

جمال القرآن وتفسير آية: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾

Scroll to Top