جمال القرآن وتفسير آية: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾

يحمل القرآن الكريم صورًا بلاغية وفنية رائعة، جعلت منه معجزة النبى محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين، لما له من عذوبة الكلمات ومعانيها التى أسرت قلوب المؤمنين، فكل آية من آيات الذكر الحكيم تحمل تعبيرات جمالية وصوراً بلاغية رائعة.

وواحدة من آيات القرآن الكريم، التي تحمل صورًا بلاغية رائعة، ونجد فيها تصويرًا فنيًا بديعًا: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾
[ البقرة: 186]

وإذا سألك أيها النبي عبادي عني فقل لهم: إني قريب منهم، أجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فليستجيبوا لي بالإيمان والطاعة والانقياد والإذعان؛ وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون، يعني: يهتدون إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم في دنيهم ودنياهم.

فمن الهدايات التي تُؤخذ من هذه الآية: أن آية الدعاء جاءت في وسط آيات الصيام، فبعدها حديث عن الصيام، وقبلها حديث عن الصوم، فهذا يدل -والله تعالى أعلم- كما ذكر جمع من أهل العلم بأن الدعاء في رمضان له مزية، وأن الدعاء مع الصيام له مزية؛ ولهذا قال النبي ﷺ: للصائم دعوة مُستجابة[1]، ولاحظ دعوة هنا نكرة في سياق الإثبات، والنكرة في سياق الإثبات بمعنى المُطلق، يعني غير مُحددة بوقت معين، فطالما أنه صائم فمنذ أن يُمسك إلى أن يُفطر له دعوة مستجابة.

فالدعاء -كما هو معلوم- له أحوال يُستجاب بها كالصوم، وله أوقات كالأسحار، وبين الأذان والإقامة، وله أيضًا مواضع وأماكن حري أن يُستجاب للدعاء فيها، كما لا يخفى، فهنا دلت هذه الآية على أن رمضان له مزية، فالآيات تتحدث عن رمضان وعن الصيام، وكذلك الصوم ولو كان في غير رمضان ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر[2] يعني: في أي وقت دعا في أول النهار، أو في وسطه، أو في آخره، لكن بالحديث: وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه[3]، هذه فرحة وليست دعوة.

وأما ما ورد: للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة[4] فإن ذلك لا يصح فيه الحديث عن رسول الله ﷺ، فالرواية ضعيفة، وإنما وقت الصوم هو وقت للدعاء، حري بأن يُجاب دعاء الصائم، والله -تبارك وتعالى- هنا لم يُقيد الدعاء في حال الصيام، بل ذكر أنه قريب، ولم يقل: وإذا دعاك عبادي الصائمون، فإني قريب أُجيب دعوة الداعي إذا دعان، وإنما قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [سورة البقرة:186] فقربه -تبارك وتعالى- من الصائمين ومن غير الصائمين في رمضان وفي سائر شهور العام، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي [سورة البقرة:186].

ولاحظ هذا التعبير وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [سورة البقرة:186] فإني قريب، فكان هذا هو الجواب، فالله -تبارك وتعالى- قريب يسمع دعوتك، ولو كنت تُناجيه بحيث لا يسمعك من بجوارك، وهو قريب -تبارك وتعالى- قُربًا خاصًا من الداعين، فقُربه -تبارك وتعالى- من البعد منه ما هو قُرب عام، ومنه ما هو قُرب خاص، فالله -تبارك وتعالى- ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له.

اقرأ أيضاً:-

الإمام الشافعي هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة،

قصة السيدة نفيسة صاحبة الكرامات ومقامها في مصر

 

Scroll to Top