“الحكاية فيها إنّ” هو مثل شعبي يتردد كثيرا على أفواه الجموع من المصريين منذ القدم، وكانوا يعبرون به عن “الريبة، والشك” تجاه موقف معين، أو شخص ما، حاضرًا في قاموس الأمثال الشعبية التي لا يعلم الكثير عن أصله، إلا أنه ومنذ قرون عدة مضت، كانت تلك المقولة هي سببًا في إنقاذ أحدهم من الموت، حيث تلاعب “باللغة العربية، وفنونها” قد أمكنت بطل القصة من حبك “خطة” لم يتمكن أحد من كشفها.
يعود “أصل الحكاية” إلى ذكاء، ودهاء الكاتب الخاص بحاكم حلب” محمود بن صالح بن مرداس”، وتعمقه” باللغة العربية الفصحى” التي جعلته يخطط ببراعة، وبجملة واحدة تمكنه من منع وقوع “ضحية جديدة” للحاكم الذي استمع إلى حديث حاشيته حتى أوقعوا بينه،وبين أحد أصدقائه.
“علي بن المنقذ” أحد أعيان الحاكم الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية مع “حاكم حلب”، ولكن لم يرغب الكثيرون بهذه الصداقة، فقاموا “بتأليب” الحاكم على “ابن المنقذ”، وخلق فتنة بينهما، وأجواء كثيرة من الكراهية، فحولوا تلك العلاقة بما فيها من” الصداقة الطيبة” بينهما إلى عداء متبادل، حتي جعل “ابن المنقذ” يهرب فارًا من “حلب” خوفًا من بطش الحاكم به.
وفي أحد الأيام، أرسل” حاكم حلب” إلى “الكاتب الخاص” به، وطلب منه أن يكتب رسالة إلى “علي بن المنقذ” يخبره فيها بالعفو، والسماح، وأنه في انتظاره لمقابلته، إلا أن الكاتب أحس بالخديعة، وأن “الحاكم” يبيت النية “لابن المنقذ” فما كان من “الكاتب” حينها، إلا أن كتب رسالة عادية واختتمها بكلمة “إن شاء الله تعالى”، ووضع علامة التشديد على “النون” بدلًا من السكون.
لم يكن علي بن المنقذ أقل ذكاءا من الكاتب الذي بعث له رسالة مشفرة، ففهم ابن المنقذ معناها، الذي كان يقصده الكاتب وهو قول الله تعالى “إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ” ففهم المؤامرة التي ينويها حاكم حلب.
قام علي بن المنقذ بكتابة الرد على الرسالة والذي كان يحوي معنى خاصًا لن يفهمه إلا كاتب الحاكم وكان محتوى الرسالة بالغ الشكر والإحساس بالعرفان بالجميل لحاكم حلب على ثقته الشديدة به، ويطمئنه على قدومه إلى حلب في وقت لاحق إلا أنه ختم رسالته بنفس الحيلة في الرسالة السابقة، وكتب فيها “إن الخادم المقر بالإنعام ” بتشديد النون أيضًا.
قرأ كاتب الحاكم الرد على الرسالة، وقرأه على الحاكم الذي اطمأن من ابن المنقذ الذي أعرب عن ولائه وطاعته للملك، ولكن الكاتب اطمأن صدره لما قرأ الرد، فعرف أن ابن المنقذ فهم مغزى الرسالة الحقيقي والذي كان يختفي بين كلماته، فقد كان يقصد علي بن المنذر بقوله “إنّ الخادم المقر بالإنعام” قول الله تعالى “إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا”.
اقرأ أيضًا:
•• يعشق زوجته.. بهاء سلطان يتصدر التريند بلقب «أبو البنات»