معروف لدينا أن محمد علي قضى على منافسيه من المماليك بعد أن أمّنهم، فقضى على المئات منهم في مذبحة القلعة الشهيرة عام 1811م.
لكن قد لا تكون مشهورة لدينا تلك المذبحة الأخرى التي حيكت للماليك الفارين جنوبا إلى الصعيد في العام التالي مباشرة عام 1812م.
يقول الرحالة السويسري بوركهارت (1784 – 1817م) عن هذه الواقعة التي حدثت باسنا قبل أن تتطأ قدماه هذه المدينة بعام واحد: “اعتصم هؤلاء الفرسان – يقصد باقي المماليك الفارين إلى الصعيد – الأشداء بالجبال التي يسكنها عرب العبابدة والبشارية، ونفقت خيلهم جوعا، واضطر حتى أغنى بكواتهم إلى بذل آخر فلس لإطعام جندهم، لأن العرب كانوا يبيعونهم الزاد بأفحش الأثمان. ولما حرموا أسباب النعيم والترف التي كانوا فيها بمصر منذ صباهم، رأى إبراهيم بك – ابن محمد علي – الفرصة مواتية لاقتناصهم في الفخ كما فعل أبوه بإخوانهم في القاهرة – يقصد مذبحة القلعة – وإذ صحت عزيمته على ذلك أرسل إليهم يؤمنهم ويقطع لهم أوثق العهود إذ هم نزلوا من الجبل، ويتعهد بتقليدهم وظائف في حكومة محمد علي تتفق ومراتبهم. ولا يكاد المرء يصدق كيف انطلى هذا العرض الكاذب على أكثر من أربعمائة مملوك على رأسهم عدد من البكوات، مع علمهم بمذبحة القاهرة التي وقعت في العام السابق. وهبط المماليك الجبل في جماعات صغيرة، وبينما هم في الطريق جردعم الخبراء الخونة من ثيابهم، فوصل الجميع معسكر إبراهيم بك قُرب اسنا عُراة باستثناء ثلاثين منهم تقريبا. وبعد أن التأم شملهم ولم يعد ينتظر وصول هذه القلة – أي الثلاثين المتأخرين – صدرت الإشارة بذبحهم، فذُبحوا عن بكرة أبيهم، هم ونحو مائتين من العبيد السود، ذبح النعاج في ليلة واحدة، ولم يترك منهم على قيد الحياة سوى مملوكين فرنسيين إجابة لرغبة طبيب إبراهيم بك… وأعجب العجب أنك لا تزال تجد من الناس من بلغت بهم الغفلة مبلغا يوقعهم في فخاخ كهذه”